
مودي حكيم يكتب: الضحك المرّ

ليس فن الكاريكاتور في مصر إبن يومه. و ليس من العجب في شيء أن يقترن هذا الفن بالمصريين القدامى. بالتنقيب في معميات التاريخ، و إستنطاق البرديات التي يرجعها المشتغلون في الآثار إلى ثلاثة آلاف سنة قبل ميلاد المسيح، أرجعت هذا الفن الى نسبه الفرعوني و أصله المصري القديم. ففي برديات كثيرة رسومات هازلة في فكرتها و خطوطها، كواحدة لفرس النهر واقف بحجمه الضخم على شجرة، و ثانية لطائر يسند سلمًا على جذع شجرة و كأنه يهم بالصعود.
و رسومات على تابوت رمسيس الخامس لأشخاص حقيقيين، مثل الرب أوزوريس الذي أنزل العقاب على رمسيس، و أمر بتصويره على شكل خنزير بري لكي يعود بعد رحلة الموت إلى الأرض مع قردين برأسي كلب!

الغزاة أخذوا الرسم الهازل من الفراعنة
المارون على مصر، غزاة، أخذوا الرسم الهازل هذا إلى بلدانهم، فدخل الفن الفرعوني الهازل إلى بلاد الفرس، و حل في أثينا القديمة، و خلب روما فقام الفنانون فيها يقلدونه. * في التأثيل، وهو علم أصول الكلمات Étymologie ، فان كلمة كاريكاتور مشتقة من الكلمة الإيطالية “كاريكار”Caricare التي تعني المبالغة أو تحميل ما لا يطاق. في اللسان الفرنسي Caricature فسرها معجم "لاروس" بأنها فن المبالغة في تحريف الملامح الطبيعية، أو خصائص و مميزات شخص أو جسم، بهدف الهزل و السخرية و النقد الاجتماعي أو السياسي أو الفني…
بعض خصائص فن الكاريكاتور وجدت في لوحات بالفحم رسمها ليوناردو دافنشي لأشخاص على دمامة و قبح ظاهر في إنتفاخ الملامح ، طول الأنف، جحوظ العينين… للإستفادة منهم في لوحاته، فاعتبرت هذه الرسومات المبالغ في قبحها ، فنًا كاريكاتوريًا.

سنة ١٦٤٦، كان موسيني Mosini أول من أطلق في روما الكاريكاتور فازدهر، و أبدع الإيطاليون في هذا الفن، أبرزهم كان تيتيانوس الذي أعاد رسم الصور القديمة المعروفة، بأشكال مضخمة هازلة.
في القرن السابع عشر، أدخل جيان لورينزو برنيني Gian Lorenzo Bernini هذا الفن الهازل الى باريس فقلبها به، فانتشر، و برز من الفرنسيين أونوريه دومييه Honoré Daumier الذي حفر ٤٠٠٠ ليثوجراف نشرت في زمنه و بعده، في الصحف الباريسية.
وكان لبريطانيا، في القرنين الثامن و التاسع عشر، نصيبها أيضا من المبدعين في هذا الفن، و أحدهم وليام وجارق، الذي ركز في رسوماته المضحكة المبكية على التفاوت الطبقي في بلاده، و جورج كرويكشانكGeorge Cruikshank الذي كان أول من تناول في رسوماته الهازل العائلة المالكة البريطانية… و العديد غيرهم ممن أبدعوا، نلفت اليهم و لا وسع هنا لتناولهم.

الصحافي مؤرخ اللحظة والرسام مرآة الحياة
إذا كان ”الصحافي مؤرخ اللحظة”، حسب قول ألبير كامو، فإن رسام الكاريكاتور، الهازىء من الأحوال و المآلات، هو مرآة الحياة اليومية المنهومة، يراوح فيه كل أحوالها، لا ينقطع عنها، يؤرخها بالخط و الشكل و اللون. يظل هم الوطن و الناس شغل خاطر الرسام، و حديث نفسه، حتى ينزل به على الورق الأبيض أمامه، و يفرغ همه و ما يعتمر في دواخله في خطوط و ألوان و لا أحلى.
لذلك، فان الإبداع الفني في الكاريكاتور يلفت الى الحقائق الماثلة في العيون، يأخذ الحادثة اليومية و ينقلها و…يؤرخ اللحظة بشكل مضحك مبك!
ينزل الرسام بريشته ساحة الحياة ينقل منها نتفًا من هموم الوطن، و يلملم الصور من وجوه الناس من معاناتهم، من التناقضات الاجتماعية… نقل بارع يعرف كيف يحمل إليك الأشياء و يجهر بالحقيقة من وجهت نظر الفنان، ففن الكاريكاتور يولد في المخالفة، ويعيش في المشادة و الإحتجاج، و ينمو في الحرية.

قاعة المُبدعين في "الصبوحة"
أنت الآن في هيكل الإبداع الفني، أنت في غرفة الرسامين، التي هي أكبر قاعات الطابق الذي تحتله “صباح الخير” في مبنى يقع في شارع “قصر العيني”. كان مكتبي، (الذي صرفت فيه سنوات عشر كمشرف فني مسؤول عن إخراج و تصميم المجلة، بعدها هجرت “الصبوحة” و”المحروسة” وأعطيت وجهي لبيروت التي غدت عنوان هجرتي الأولى)، بجوار تلك القاعة.
لا تسمع في القاعة الا حفيف الورق، و صرير أقلام " الفلوماستر والربيدوجراف " في جيئة و رواح في كل إتجاه على ورق الرسم، و غمس ريشة في كوب ماء لنفض آثار الألوان العالقة عليها، أو صوت جرع الشاي في الحلق. عندما ينتصف النهار، تنعتق الغرفة، و لا ترتاح من ثرثرة الأقلام و صريفها، و تطفأ مصابيحها، إلا في ساعات الليل الاولى.
مر على هذه القاعة مبدعون كثر، من أهل الوادع في النقد السياسي والاجتماعي و الفني، تركوا على صفحات ”صباح الخير”، و رصيفات لها، أفكارهم، معاناتهم، تحرقهم، حسراتهم، ضحكهم الموجوع في رسوماتهم التي هزت كراسي عروش.
و تعد على الأصابع ، وقد تنسى أسماء: زهدي، صلاح جاهين، جورج بهجوري، بهجت عثمان، الليثي، حجازي، ناجي كامل، رؤوف عياد ، دياب ، صموئيل حنين، يوسف فرنسيس …
_20200725230150.jpg)
أول خواجات فن الكاريكاتير في مصر
كانت المنافسة على أشدها بين هؤلاء المبدعين، أصحاب الممتعات في فن الكاريكاتور، و زملاء لهم، مبدعون هم أيضًا، على صفحات جرائد و مجلات تنافر وتخاصم “صباح الخير”، و تنازعها رضا القراء، في وقت كانت القاهرة تغلي و تفور و تتباهى و تتشاوف بصحافتها.
“فن الخواجات”، يقولون لك، فمصر ما عرفت فن الكاريكاتور إلا عندما بدأ ”الخواجات” يطرزون صفحات المجلات و الجرائد بالرسومات، التي يسكن النقد لمانحي الحياة المصرية، خلف الخطوط و يتمرد على بحبوحة اللون و الشكل الهزلي الهازئ اللاذع.
خوان سانتوس كان أول “خواجات” فن الكاريكاتور في مصر، و الرسام الأسباني المبدع كان يعيش في فرنسا عندما دعاه الأمير يوسف كمال سنة ١٩٠٨ ليدرس مادة الحفر في “مدرسة الفنون الجميلة" (الكلية في ما بعد)، درس و علم، و أجاد و تتلمذ علي يديه فنانون أبدعوا و كانوا من المجلين.
سنة ١٩٢١، أصدر سليمان فوزي، و كان وكيل شؤون الخديوية، مجلة “الكشكول”، و كان من المناوئين لحزب “الوفد”، فاكتشف خوان سانتوس ريشته و هزها في وجه زعماء “الوفد”، و رسوماته الساخرة اللاذعة لهم كانت حديث مجالس هاتيك الأيام.

و كان يرسم غلافي “الكشكول” الأمامي و الخلفي، و صفحتين ملونتين في الداخل، و في أحايين كثيرة كانوا يستعينون بريشته لرسم إعلانات المجلة بالأبيض و الأسود .
و أخذ خوان سانتوس ينقل ريشته في فن الكاريكاتور بين مجلات و جرائد ذياك الزمن، فترك رسوماته في “كل الدنيا”،” الاثنين”،”إيماج”Image، ”المصور”، “الفكاهة”، ”مجلتي”....ثم “روز اليوسف”، فكان ينتقد برسوماته اللاذعة حزب “الوفد” و سعد زغلول في “الكشكول”، ثم بالريشة نفسها يمجدهم على صفحات “روز اليوسف” الداعمة لحزب “الوفد”، و حاملة لواء سعد زغلول. و لم يكتف بذلك كله، فاصدر خوان سانتوس مجلة “جحا”، و جعله يمد لسانه بالعربية و الفرنسية في زمن كانت القاهرة مولعة بلغة “راسين”.
و ما كان بدأه خوان سانتيس في الصحافة المصرية أكمله “الخواجة” الأرمني ألكسندر هاكوب صاروخان.
كان محترف آرام بربريان للزنكوغراف، يقوم بإعداد كليشهات غالبية الصحف والمجلات… و هو إلى ذلك أصبح ملتقى الرسامين و أصحاب الصحف والناشرين.
في محترف بربريان، إلتقى ألكسندر هاكوب صاروخيان، (صاروخان كما صار يوقع رسوماته )، محمد التابعي، رئيس تحرير “روز اليوسف“، الذي كان يبحث عن رسام كاريكاتوري يعبر بريشته عن هوى المجلة بحزب “الوفد”، خصوصا و أن خوان سانتيس، رسام المجلة الأصيل، من أبرز رسامي “الكشكول” المعادية لسعد زغلول و حزبه، كما ذكر.

صاروخان ينطلق في "روزاليوسف" وينجب ”المصري أفندي“
و إنطلق صاروخان يسرح و يمرح في صفحات “روز اليوسف” يحمل ريشته و علبة ألوانه، يرسم و يبدع. أول غلاف له للمجلة كان في العدد ١١٨ الذي كان صدر في ٢٢ مايو ١٩٢٨.
وراح صاروخان يبتكر الشخصيات الكاريكاتورية، فاقتبس من “دايلي إكسبرس” اللندنية شخصية “ستروب”، و قام “بتمصيرها”، فولد “ المصري أفندي”، الذي يعبر به عن طبقة الموظفين، ثم رسم شخصية “مخضوض باشا الفزعنجي” و “إشاعة هانم “ و “العم سام”…
سنة ١٩٣٤ ، إزداد النفور بين محمد التابعي و روز اليوسف، فافترقا. حمل التابعي قلمه و ورقه، و صاروخًان ريشته و ألوانه إلى “آخر ساعة “، التي أصدرها التابعي سنة ١٩٣٤ و غلافها الأول كان بريشة صاروخان.
سنة ١٩٤٦، إشترى الأخوان علي و مصطفى أمين ”آخر ساعة “، بعدما كان التابعي ينوي إغلاقها لتدني توزيعها، فانتقل و معه صاروخان إلى “أخبار اليوم”.
في ٢٧ إبريل ١٩٤٦، نشر في الصفحة الثالثة من “أخبار اليوم” أول رسم لصاروخان ، فانضم “الخواجة” الأرمني الى زميله الرسام محمد عبد المنعم رخا ، أول رسام كاريكاتور مصري.
من “سنديون”، ( تبعد عن القاهرة ٢٢كيلومترا ) التابعة لمحافظة “القليوبية”.
كان محمد عبد المنعم رخا في السادسة من سنيه، عندما نزحت الأسرة الى “المحروسة”، و والده القاضي الشرعي وجد مسكنا لعائلته في “باب الشعرية “.
قعت بين يديه، و هو لما يزل في العاشرة من سنه، مجلة “ اللطائف المصورة “ فخلبته رسوماتها الكاريكاتورية فأخذ يقلدها، فلفتت أحد أساتذته، الذي شجعه على الإلتحاق بمدرسة ليوناردو دافنشي الإيطالية. و هكذا كان، دخلها، جلس على مقاعدها، تعلم أصول الرسم، و كان من المبرزين فيها، و بعد سنتين إكتملت عدته، و أيقن أنه سيأكل خبزه من ألوان ريشته.
أول رسم له كان على صفحات مجلة “ الفنان” التي أصدرها شيخ المؤلفين المصريين محمد يوسف القاضي. بعد توقف المجلة، لتدني توزيعها، أخذ القاضي بيد رخا ودار به على أصحاب الصحف وناشريها، أولهم كان حافظ عوض، صاحب “الستار”، و بعدها نشر رسوماته في “”الناقد” التي كان يصدرها محمد علي حماد.

رخا من السجن إلى "روزاليوسف"
سنة ١٩٣٣، أضرب عمال شركة باصات “نورثكروفت”، بسبب من سوء معاملة إدارة الشركة. فما كان من رجال الشرطة إلا أن انهالوا على العمال المضربين بالضرب المبرح، ثم القوا القبض على عدد منهم. فأدار رخا ريشته على الحادث ، و توهج غضبه، فرسم المدير الأجنبي يطعن عاملًا بخنجر في ظهره، و قد سال منه الدم ، وأكمل المشهد المؤلم بأن رسم رئيس الحكومة في ملابس عسكرية، يركض نحو العامل المطعون بالخنجر و هو يصرخ به: ”و كمان وسخت بدلة الخواجة بدمك الزفر”.
وأتبع الرسم بكلمات : ليسقط الملك…
وظهر الرسم على غلاف مجلة “ المشهد”، (كان يصدرها الأمير عباس حليم، رئيس حزب العمال)، فكلف هذا الغلاف محمد عبدالمنعم رخا السجن أربع سنوات. عندما إنقضت ثلاثة أرباع مدة الحكم، و أزف وقت الإفراج، مات الملك فؤاد فصرفوا النظر، فأمضى رخا ما تبقى من مدة سجنه.

بعد خروجه من السجن سنة ١٩٣٦ ، فتحت له “روز اليوسف” صفحاتها براتب ثمانية جنيهات، فتلالأت أكثر بنتاجه و إبداعه، و دار على رسوماته أخذ و رد.
و جار الزمان على الست روز اليوسف، فوجدت نفسها في ضائقة مالية بعدما سدت الحكومة التي تعارضها بشدة، أبواب الرزق أمامها، و حرضت على مقاطعتها.
بقي رخا وفيًا، إلى جانب الست روزا، يقاسمها الفاقة والعوز، و كانت هي تبادله الوفاء بأحسن منه، و تقسم معه ما في حقيبة يدها من نقود و لو قليلة.
بعد سنوات خمس ترك رخا مجلة “ روز اليوسف”، و دخل ملكوت “أخبار اليوم”.

إن أنت سألت عن طه إبراهيم العدوي، إنقلبت الشفاه و تاهت العيون. أما إن سألت عن زهدي العدوي، ترحموا على الرجل، و دلوا على رسوماته، و فتحت أمامك سيرته، و من حقك بعد ذلك أن يصيبك دهش.
تأثر إبن “مينا القمح” (محافظة الشرقية)، و كان لما يزل حدثًا، بمجلة “الكشكول”، و إنبهر برسومات و ألوان “خيال الظل”.
كان في السادسة عشرة من سنيه لما جاء “المحروسة” ليعمل و يتعلم. ما ان أنهى المرحلة الثانوية حتى دخل “مدرسة الفنون الجميلة”، يدرس النحت، الذي تركه بعد التخرج، و فضل القلم والريشة والألوان عليه.
لم يكن مضى كثير وقت على تخرجه، عندما طرق القدر بابه، فقد غاب خوان سانتيس، رسام “الهلال” في أجازة إضطرارية، فنادت المجلة تبحث عن بديل، فرشحه وكيل مدرسة الفنون، فحمل زهدي العدوي ريشته و رسم في “الهلال” و كانت البداية.

سنة ١٩٣٥، حدث أيضا ما غير حياة زهدي العدوي، فقد قام طلاب جامعة فؤاد الأول باضراب، قمع بعنف، و كان أن شاهد زهدي بام العين ، مقتل الطالب عبدالحكيم الجراحي برصاص جندي بريطاني، وسط زملائه الذين كانوا يهتفون ضد الإحتلال البريطاني الجائر. كان لهذا المشهد أثره الكبير في فن زهدي العدوي، فرسم أول كاريكاتور سياسي له… و من يومها أخذ يربط في رسوماته بين الكاريكاتور و العمل السياسي الوطني.
مع مرور السنين، تبلور أسلوب زهدي العدوي، الذي مزج بين الرسم التسجيلي والكاريكاتوري.
سنة ١٩٥٦، بعدما جال بريشته على “ الهلال”، و” الفصول”، و“الشعلة”، و“المطرقة”، و”الوفد”، و”الاثنين”، و “الدنيا”… إنضم إلى “روز اليوسف”، و فيه إستهوته “صباح الخير “، التي كانت تشكل مدرسة جديدة في فن الكاريكاتور تجمع بين بين السياسي و الاجتماعي.
و إذا كان زهدي العدوي تفيأ في ظل ألكسندر هاكوب صاروخان، و أخذ منه، الا أنه ميز نفسه عن الذين، مثله، خرجوا من عباءة ”الخواجة الأرمني”، فكانت رسوماته تتسم بالحدة، و الشراسة، و التمرد، و المباشرة… و لا غروة في ذلك، فريشة زهدي العدوي مغموسة بألوان الوله و الكد و التمرد و الإنحياز إلى كل ما هو غير مألوف.

تأسيس جمعية رسامي الكاريكاتير
نادى على مدى ١٥سنة بتأسيس جمعية لرسامي الكاريكاتور، فتم له ذلك، و أقنع شيخ الرسامين، محمد عبد المنعم رخا، بأن يترأسها، و من بعده تولاها زهدي، و عمل على تأسيس أول مكتبة لفن الكاريكاتور، تتضمن أعمال الرسامين الخواجات و أبناء البلد.
و كان لزهدي العدوي الفضل العميم في إدخال رسوم الكاريكاتور في برامج الأطفال . و في السينما ، وضع مقدمة فيلم “صغيرة على الحب”، بالرسوم المتحركة، و الفيلم من أداء سعاد حسني و رشدي أباظة.
ذاق زهدي العدوي مر الإعتقال و السجن مرات ثلاث، الكلام عن ذلك طويل، والمجال الآن غير منفسح…
السحرية البارعة ، ميزة في فن الكاريكاتور محببة، و الرسام الذي أوتي هذه الخصيصة المشتهاة، تقبل عليه القلوب.

و زهدي العدوي من طينة هؤلاء، و عليه أقبلت قلوب عدد من الرسامين المبتدئين، بينهم أحمد ثابت طوغان.
طوغان: تآثرت بزهدي العدوي وفاطمة اليوسف منحتني ١٠ قروش في الرسمة
لم يخف أحمد ثابت طوغان مرة، تأثره بفن و شخصية زهدي العدوي:
“أهم أسباب كوني رسام كاريكاتور، يعود الى زهدي العدوي”.
قالها بالفم الملآن.
فقد إلتقاه سنة ١٩٤٦ فتعلق به، وأصبح صفيا عنده، يستهدي بنصحه، يريه رسوماته ويتقبل النقد… و ظل هكذا حتى رحيل زهدي العدوي في ٢٠ يوليو سنة ١٩٩٤.
في خواتيم أربعينات القرن العشرين، إهتدى أحمد ثابت طوغان إلي “روز اليوسف”، فانضم اليها.
يخبر طوغان ويقول:

“كانت الروح الأسرية فيها ممتازة ، فكانت السيدة فاطمة اليوسف مثل الأم ، و كنا نأخذ ملاليم لدرجة إنني في إحدي المرات ، كنت راسم في الكاريكاتور شخصين ليتكلموا ، فأعطتني عشرة قروش تقريباً !
قلت لها ده مبلغ قليل . فقالت لي : انت راسم إتنين ليتكلموا عايز كام ؟
في المرة التالية رسمت لها مظاهرة، وذهبت لها و قلت : حاسبيني بقا علي عدد الأشخاص اللي بالرسم ...فضحكت”.

كانت ثورة “الضباط الاحرار” طرية العود، و تحتاج الى الإعلام ، و تحديدا الى جريدة يومية، تكون لسان حال “مجلس قيادة الثورة”، و تحمل أفكاره وما ينويه الى الناس. فكانت فكرة إصدار “الجمهورية”.
كان أحمد ثابت طوغان من رواد مقهى محمد عبدالله في الجيزة، و فيها كان يلتقي أنور السادات، الذي أخذ يرتاد المقهى بعد خروجه من السجن، وكان دائما مع صديقه الساخر زكريا الحجاوي.

وفجأة، ما عاد السادات يأتي الي المقهى! ليتفاجأ الجميع، بعد فترة، بأنه واحد من الضباط الأحرار وعضو في مجلس قيادة الثورة ، و أنه يشكل جهاز تحرير لإصدار “الجمهورية”، و إنتقل معه للإصدار الجديد مجموعة من الذين كانوا يجالسونه في المقهى، وعلى رأسهم أحمد ثابت طوغان، محمود السعدني، وسيم خالد،… و بعد فترة إنضم اليهم فتحي غانم ويوسف إدريس .

فنان صنعته الآلام
أحمد ثابت طوغان رسام مناضل ، دعم الجزائريين في مقاومتهم الإحتلال الفرنسي ، و آزر اليمنيين بدوره الثقافي التنويري ، و جعل القضية الفلسطنية محور إهتماماته الأدبية والفنية.
قضي طوغان 88 عاماً من حياته أنموذجا للفنان الوطني المثقف المستنير و المنتمي للضمير المصري .
وكان أن وصفه أنور السادات بأنه “ فنان صنعته الآلام “ فجعل ماقاله الرئيس المصري عنواناً لكتاب سيرته الذاتية . كانت لطوغان مواقف سياسية واضحة و جريئة من القضايا المصرية .
و هو بعد استبشر خيرا بثورة يوليو، ساءه انحراف البعض، فانتقدهم في كلامه و رسوماته .
رفض سياسات الرئيس حسني مبارك وعارضها …إلا أنه ظل وفيا لثورة يوليو.

إن الكاريكاتور، من المحصل، عهده الحق و الخير و الجمال، و في شرط هذا العهد، أن تقطر ريشة الرسام بدم القلب كَدُّ على الحق، يتلألأ بياض الورقة، التي تجعل الخط و الشكل و اللون، رسمة تضحك وتبكي. الكاريكاتور هو… الضحك المرّ.
